قصر كوير ينتصر
بعد شد وجذب، انحنى الدائري الثاني في مكة المكرمة لقصر كوير، فابتعدت عنه جرافات الإزالة وشبح الهدم، إذ كان مقررا إزالة الموقع برمته، قبيل التدخل الفني من قبل الجهات ذات الاختصاص من خبراء وفنيين ومهندسين واستشاريين.
وللمرة الأولى في تاريخ مكة المعاصر، يلتف طريق إشعاعي عن عنق رمز تاريخي في العاصمة المقدسة بعد أن وسمته الشؤون البلدية والقروية ضمن المناطق المزالة التي تتطلب التنمية وخدمة ملفي الحج والعمرة، إزالتها.
وقال أمين العاصمة المقدسة الدكتور أسامة البار: تمت دراسة الآثار التاريخية جميعا في مكة المكرمة، خاصة قصر كوير التاريخي لوجوده ضمن مسار الطريق الدائري الثاني، وخلصت إلى تجنبه والإبقاء عليه ضمن ممتلكات الدولة.
أتينا متأخرين
قال الباحث في التاريخ المكي جمال شقدار: كتبت وناقشت عدة مواضيع في هذا الصدد، وساهمت مع زملائي المهتمين في الشؤون المكية بإيقاف معدات الحفر والهدم عن الإزالة.
لقد توقفت الإزالة عن المكان واستطعنا إعادة شيء من تراث وتاريخ مكة الجميل، خاصة قصر كوير الذي ستتحول ملكيته بالكامل إلى الهيئة العليا بعد أن تم نزع ملكيته.
وأضاف: نحن أدرجنا عدة مواقع تاريخية وطرحناها للمناقشة العلمية الجادة التي من شأنها أن تحافظ على الإرث المكي الكبير وتعكس مدى تاريخية المدينة.
وتابع شقدار: نعم أتينا متأخرين وكان بالإمكان الحفاظ بشكل أكبر على آثار وتاريخ مكة المدينة الزاخرة بالآثار والتي من الممكن أن تتزامن مع النظرة الشمولية للعاهل السعودي حفظه الله في تطوير مكة في جميع مرافقها.
بالنسبة لقصر كوير جرى عليه تعديل بسيط جدا، ولم يشمل المسار بشكل كبير، جرى في ذلك تعديل شارع الخدمات اللصيق، وجرى ذلك من أجل النفق.
الهاشتاق شرارة الانطلاق
أكد الكاتب الصحفي فائز جمال أن “مبادرة معاد تعمل على الأرض مع الجهات كلها، نقدم مقترحات ورسومات وعملنا على هذا الموضوع منذ البدايات بدءا بقصر السليمان في جرول، وجرت الترتيبات للحفاظ عليه، وإعادة ترتيب المنطقة من جديد”.
وقال: عملنا جيداً على بئر طوى التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمر بالبئر ويغتسل بها وأحياناً يبيت ثم يدخل إلى الحرم، والحجاج إلى عهد قريب كانوا يغتسلون، وركزنا كذلك على القصور التاريخية القريبة من الحرم، ومسجد كان يصلي به الرسول الكريم، أمام مبنى مصلحة المياه والصرف الصحي، وإحياؤه من جديد كان بداية التحرك في حماية الآثار والنأي به عن الإزالة، وفعلا استجابت الأمانة وكان للأمير خالد الفيصل دور بارز في حماية القصرين والبئر من الإزالة.
وتابع: بالنسبة لموضوع قصر كوير الذي يقع في حي البيبان، فوجدنا عليه كتابات مفادها أنه داخل في عملية الإزالة، واجتمعنا من أجل مناقشة الموضوع واتصلنا بالإمارة وتم إقناعهم بوجوب الحفاظ على هذا الأثر التاريخي والذي يعدّ مدخلا من مداخل مكة المكرمة، ومنطقة البيبان تعدّ مدخلا رئيسا يربط مكة بجدة، وجدنا الاستجابة التي مهدت للمحافظة على الآثار، وهناك معالم اندثرت وكان لنا دور في إحياء معظم هذه المعالم وما زلنا مستمرين عليها.
جهود فردية
وأضاف جمال: لو بدأنا مبكرا في حماية التراث لكان أفضل لكن الجهود كانت في البداية مبعثرة.
والمطالبة بوقف الهدم والحفاظ على التراث والآثار المكية كانت من خلال أفراد وجهود فردية كل حسب طريقته، بدأت باستخدام هاشتاق #أوقفوا_الهدم_في_مكة ولفت انتباه بعض المكيين، وتتالت اللقاءات على إثره والوقوف لتأمل هذه المسألة، وإيقاف الهدم المستمر الذي يأتي على الآثار والتاريخ خاصةً الآثار النبوية في مكة، مؤكداً أن “ليس مبررا أن تزال الآثار النبوية بحجة الخزعبلات، هذه حجج غير مقنعة، هذه الحجج التي تساق إلى الناس من جانب حماية التوحيد لا أساس لها وعلاجها بسيط جدا، وهي توعية الناس وتقديم النصح والارتقاء بعلمهم وفهمهم وفقههم.
مدائن صالح
رأيت في إحدى القنوات الفضائية شخصا يتحدث عن مدائن صالح وقال له المذيع ماذا لو تبرك بها الناس أو تصرفوا تصرفاً خاطئا؟ أجاب: إنها سوف تزال مباشرة..وقد قلت له أرجوك تواضع قليلا إذا كان الرسول (ص) قد مر بجانب مدائن صالح ولم يأمر بهدمها أو إزالتها بل أمر بالإسراع في المشي من حولها.
هل يعالج إقدام بعض الناس على التبرك بمقام إبراهيم والحجر الأسود بالإزالة؟؟
القصر تحفة الـ 100 عام
يعد قصر كوير معلما من معالم مكة وتحفة جمالية تبرز الفن المعماري الذي كان سائدا في العاصمة المقدسة قبل أكثر من 100 سنة، بحسب موقع “البوابة الرقمية”.
ويقع القصر في ربوة بمنطقة “البيبان” (شمال الحرم المكي)، وهي منطقة عرفت تاريخيا بكونها منتجعا لمدينة مكة في العصور الوسيطة لاعتدال مناخها وتوفر مزارع فيها.
وتوجد فيها عدة قصور من أشهرها قصر الملك فيصل الذي تحول قبل سنوات إلى جامعة أم القرى - قسم البنات.
هذا القصر كان يسكن فيه الأمير محمد بن عبدالعزيز رحمه الله إبان وجوده في مكة، ويروي بعض من عاصروا تلك الفترة أن الملك عبدالعزيز رحمه الله، قد زار ابنه في هذا القصر، حيث كان واحدا من عدة قصور محدودة في المنطقة.
وكان أحمد كوير من أشهر صناع وتجار النورة في مكة إضافة إلى كونه من تجار البادية المعروفين الذين سكنوا حارة جرول وتاجروا في السمن والعسل.
صحيفة مكة 1435/11/24هـ
0 تعليقات