أحمد علي الكاظمي يوثق مكة بيومياته ( 5 )

 

نواصل نشر  أحداث ومعلومات تتعلق بمكة المكرمة وردت في اليوميات التي دونها أحمد علي أسدالله الكاظمي -رحمه الله- والتي تعدها دارة الملك عبدالعزيز للنشر كاملة في إصدار مستقل، وكاتبها من رجالات التعليم الرواد في المملكة العربية السعودية، عمل معاونا لمدير مدرسة الأمراء بالرياض ومعلما فيها خلال الفترة 1357-1373هـ، ثم مفتشا بوزارة المعارف وعميدا لكلية الشريعة بمكة المكرمة، توفي رحمه الله في 1413.


الأحد 16/12/1365هـ

في الحج خصصت الشرطة هذه السنة قسما منها باسم بوليس المرور في بذلة خاصة تختلف عن بذلة الشرطي العادي، ونظمت مرور السيارات في بعض المحلات، بحيث تدخل السيارة إلى البلدة من جهة والخارجة منه تسير في طريق آخر، وهذا في محل أو محلين، أما المحلات الباقية فلضيق الشوارع بقيت الحالة كما كانت.
وعلى العموم فقد كان نظام المرور وبوليس المرور جيدا قد ساعد على سير السيارات وساعد كذلك على تجنب كثير من حوادث الاصطدامات.
أما البلدية فلم نجد لها أثرا في أيام الحج بالرغم من كثرة مشاريعها وبالرغم من أنها تعتبر الآن نفسها أنشط بكثير من سابق، وكأنها اكتفت بما قامت به قبل موسم الحج من بعض الاعمال كفتح شارع الأمير فيصل بين القشاشية وأول المدعا، وعمل أفريز في شارع سوق الصغير لسير الناس، وجلب عجلات صغيرة لجمع الأوساخ والقمائم من الشارع العام يدفعها الإنسان المكلف بجمعها بيديه أمامه.


أما الأسعار فقد ارتفعت ولم تتعرض لها البلدية مطلقا، وقد رأينا في منى أنها أنشأت محلا خاصا بجانب بناية الإسعاف كتبت على بابه أمانة العاصمة.


الحالة في منى أيام التشريق كانت سيئة جدا من ناحية الوساخة وإلقاء اللحوم والكروش في وسط الطريق، وكان الحجاج يذبحون الخرفان في وسط الطريق وفي محلاتهم ويرمون بالأوساخ والأشياء الزائدة في عرض الطريق وبين أرجل المارة، هذا عدا أوساخ الناس التي ملأت الأزقة والشوارع وتصاعدت الروائح الكريهة من الأوساخ ومن اللحوم النتنة والقاذورات من كل جهة بصورة لا تطاق.


وفي اليوم الثاني دارت سيارة كبيرة وجمعت من اللحوم والكروش الملقاة في الأرض، ولكن استمرار رمي الحجاج لهذه الأشياء لم يؤثر في الحالة شيئا.


أما في اليوم الثالث فقد كانت الروائح الكريهة قد ملأت الفضاء وازدادت واشتدت اشتدادا عظيما.


إدارة الحج

وقد أنشئت هذه السنة إدارة جديدة بهذا الاسم، أي إدارة الحج، وشيدت لها في منى بجانب مركز الشرطة حائطا كبيرا كتب على بابه بحروف بارزة كبيرة إدارة الحج، وأسندت رئاسة هذه الإدارة إلى الشيخ محمد سرور (الصبان)، ومهمة هذه الإدارة العناية والاهتمام بشؤون الحجاج والحج.


ويقولون إن الشيخ محمد سرور قد قام ليلة المزدلفة في ميدان عرفات بجولة تفتيشية وكانت معه من سيارات النقل الكبيرة عدة سيارات، وكلما وجد مطوفا لم يستطع نقل حجاجه إلى مزدلفة لكثرتهم وقلة سياراته أمر له بسيارة من هذه السيارات ليحمل فيها حجاجه إلى المزدلفة، وكذلك أمر في اليوم الثاني يوم العيد سيارات الإسعاف أن تذهب إلى عرفات تبحث عن المرضى والعجزة الذين لم يستطيعوا السير فانقطعوا هناك أو في الطريق بين عرفات ومنى.


السبت 22/12/1365هـ

والشيء الذي تشكر عليه إدارة إصلاح الطرق هو إصلاح مدخل منى من ناحية مكة، فقد كان أرضا ذات حجارة ورمل، أما في السنوات القديمة، أي قبل استعمال البلاد للسيارات فكانت الأرض في هذه البقعة مرصوفة بالحجارة، إلا أنها كانت على طريقة المدرج يصعب بل ويمتنع مرور السيارات فوقها، لذلك قلعت تلك الحجارة وصارت الأرض من بعد قلع الحجارة أرضا مشوهة متعبة للإنسان والدواب والسيارات، وكانت البلدية كل سنة تقوم بوضع كميات كبيرة من الرمل والتراب فوق النواتئ والحفر حتى تتساوى الأرض، ولكن أقل مطر وأقل سيل كان يجرف كل ما تضعه البلدية ويرجع الأمر كما كان، أما الآن فقد أصلحته إدارة الطرق بالحجارة والرمل ودكته بواسطة عجلة الكبس "بابور زلط".


حضرنا حفلة الاستعراض في منى، ولكن لم ندخل القصر للسلام، بل بقينا مع الناس المشاهدين، وقد حضر معظم كبار الحجاج من كل الأجناس.


واستعرض جلالة الملك مع جيشه وما معه من معدات حربية كسيارات مصفحة ومدافع وسيارات أخرى كالمعتاد تحت قيادة وزير الدفاع الأمير منصور.


قمت بجولات في شوارع منى، فلم يستلفت نظري شيء جديد غير بعض عمارات جديدة عالية أنشئت حديثا، وهي أما لآل كعكي أو لآل صبان، وهناك بيوت جديدة أخرى لأناس آخرين غيرهم.


نعم لقد لا حظت أن البلدية لم تسمح هذه السنة لبعض المقاهي التي على الشارع بوضع الكراسي وإخراجها إلى عرض الشارع كما كانت العادة.

 

الأحد 20/1/ 1366هـ

جلالة الملك

طاف جلالة الملك أمس بعد المغرب الشوط مشيا على الأقدام ثم طلب الكرسي والعجلات، وأتم الطواف فوقه، وكان صلى المغرب في الحرم، وفي صباح أمس السبت توجه إلى جدة.


ويقول الناس إنه ربما أقام فيها يوما أو يومين، وبعد ذلك يتوجه إلى الرياض جوا.


أما النساء والأميرات فقد توجهن من قبل يومين جوا إلى الرياض صحبتهم السلامة.


مدرسة جديدة للأمراء

أمر سمو الأمير فيصل بإنشاء مدرسة لأنجاله وأنجال نجله تسمى مدرسة الأمراء، ويكون مقرها الطائف وتكون كروضة الأطفال، وجلب لها مديرا مصريا من مصر، وانتدب للعمل فيها كذلك أستاذ مصري كان يدرس في مدرسة تحضير البعثات، ومدرس آخر من أهل البلاد تخرج من مدارس مصر.

 

الثلاثاء 20/3/1366هـ

باب السلام يعتبر باب السلام في وقتنا هذا مقر المكاتب التجارية ومحل بيع أدوات الكتابة، فإذا خرجت من باب السلام تجد على يمينك دكان عبدالحفيظ فدا، وبعده دكان ثم مكتبة الثقافة وهي مكتبة أنشأها أو مديرها الشاب صالح جمال بالاشتراك مع بعض الشباب، وكانت في أول الأمر مكتبة لبيع الجرائد والمجلات المصرية، ثم نمت وجلبت من الكتب المدرسية وغير المدرسية حتى تكونت مكتبة لا بأس بها، والأسعار فيها معقولة، وبعدها دكان ثم مكتبة الجيل الجديد، وهي أنشئت هذه السنة، أنشأها بعض طلبة مدرسة البعثات، وهي كمكتبة الثقافة تجلب الجرائد والمجلات والكتب المصرية وأمامها دكان.


وأمام باب السلام دكان الشيخ عبدالفتاح فدا، وهو يعتبر الآن (شيخ الكتبية)، ثم دكان عبدالصمد فدا، وهو كذلك كتبي، ثم مكتبة الشيخ عبدالله فدا، ثم دكان الدهان يبيع الكتب والأدوات الكتابية، ثم دكان رجل هندي اسمه نواب علي، وهو لا يبيع الكتب بل يبيع المناظر والأتاريك (الكشافات اليدوية).
ومن الكتبية السيد النهاري، وعويضة السناري، وعبدالكريم فدا، والباز، وأحمد حلواني، ومصطفى ميرو، وأشخاص آخرون لا أعرف أسماءهم..والمهم أن باب السلام في هذه الأيام يعتبر مقر الكتبية والمكاتب ومحل بيع أدوات الكتابة كدكان عبدالعزيز مرزا الذي يقع في وجه الداخل من باب السلام الكبير.
وأكثر الكتب التي تباع في باب السلام هي من مطبوعات مصر، من الكتب الأدبية والدينية والتاريخية، وقلما تجد كتبا أخرى مطبوعة في بلاد غيرها، أو توجد كتب قديمة مطبوعة في غير مصر.


أما الكتب الأدبية العصرية فهي كتب إنجليزية أو كتب بلغة غير العربية، اللهم إلا الكتب المدرسية فتوجد في مكتبة الثقافة، أو كتب قديمة إنجليزية وجدت مع دلال فاشتراها أحدهم ووضعها في دكان.


أما بغير هذه الصفة فلا يوجد أحد منهم يجلب كتبا جديدة إنجليزية أو في لغة غير العربية لبيعها على الناس.


وقد كان في الماضي قبل الحرب ترى كتبا بلغة جاوية كثيرا وكادت تنتشر في المكاتب إلا أن وقوف الحجاج الجاويين من بعد الحرب جعلها تغيب من السوق بالكلية.


(لقد أزيلت هذه الدكاكين وهدمت، ولم يبق لها أثر سنة 1375هـ استعدادا للتوسعة في الحرم).

 

الجمعة 23/3/1366هـ

الشهداء

خرجنا يوم الأربعاء بعد الساعة الرابعة على بستان الشهداء، وهو بستان صغير كان يقوم بنظارته من قبل هندي اسمه عبد القيوم، ثم عزل وأتي بهندي آخر اسمه مجتبى أحمد، وهذا الأخير كذلك يجد مضايقات مما جعله يستقيل.


والبستان مرتب ومنظم تنظيما عصريا وفيه أشجار هندية كثيرة جلبت من الهند وأخرى جلبت من مصر، ولو وجد القائمون بأمره مساعدات وأجيب إلى ما كانوا يطلبونه من المالية من رفع شأن البستان لكان بستانا أكبر وأكثر رونقا وجمالا من الآن، ولكن حسب ما أخبرني المدير الأول والثاني، كلما طلبوا شيئا أهمل طلبهم.


والماء الذي يروي البستان يؤخذ من عين زبيدة قد مدت ماسورة إليه، أما عندما أنشئ البستان فقد بحثوا له عينا جديدة غير عين زبيدة، وبذلت في تنظيف وإصلاح مجراها ألوف من الريالات، وقد مات فيها بعض نفر من جراء انهيار المجرى ذات مرة.


وقد تمكنوا في أول الأمر من توصيل هذه العين إلى البستان وركب لها محرك كهربائي يسحب الماء إلا أنها في الآخر نضبت مياهها أو نقصت ولا تسد حاجة البستان، ولذلك اضطر إلى سحب الماء من عين زبيدة.
قضينا نهارنا تحت ظلال أشجار الجوافة ثم تغدينا تحت ظلال أشجار أخرى، ثم نزلت قطرات من المطر فانتقلنا إلى محل آخر تحت أشجار كثيفة ثم شربنا الشاي، وكان منظرا جميلا..أشجار وغيوم ومطر وأصوات طيور مختلفة وروائح جميلة، وقد كانت نزهة جميلة.

 

الأربعاء 28/ 3/1366 هـ

رسوم الحج

كان الحجاج منذ زمن قديم يدفعون الرسوم التي عليهم مقابل خدمة المطوف ووكيل جدة والأجور وغيرها بعد وصولهم جدة ومكة، وكان المطوف هو الذي يستلم من كل واحد منهم يدا بيد.


وقد استمرت هذه الطريقة إلى ما قبل سنوات، وكان الحاج في تلك الأيام يؤخر الدفع إلى اليوم الآخر الذي سيسافر فيه إلى جدة أو من جدة.


ومنذ سنوات اتخذت الحكومة طريقة جديدة وهي أن يدفع الحجاج الذين يقدمون عن طريق مصر جميع الرسوم والأجور التي عليهم مقدما من مصر، ثم يأتي الحاج إلى الحجاز وما عليه شيء.


وقد طبق هذا النظام على الحجاج الهنود سنة واحدة، أي إنهم دفعوا كل ما عليهم من الهند، ولكن بعدها عدل عنها وصاروا يدفعونها حال وصولهم جدة قبل دخول مكة، وربما يحدث تغيير آخر بعد قيام وإنشاء مديرية شؤون الحج الجديدة من العام الفائت 1365هـ.

 

السبت 1/4/1366 هـ

الشارع العام

معظم الدكاكاين التي في الشارع الآن تضاء بنور الكهرباء من محركات كهربائية مختلفة.


ففي الخريق إلى سوق المعلاة ومركز الشرطة يقوم عبدالله باحمدين ومكينته بإضاءة الحوانيت مقابل أجر شهري، ودكاكين القشاشية تضاء بواسطة مكينة الدكتور الخاشقجي، ومنطقة باب الصفا وباب جياد وسوق الصغير تبيع مكينة عبدلله كعكي رئيس الفرّانة.


وقام رجل آخر بإنارة دكاكين حارة الباب والشبيكة، إلا أنها لم تصلح حتى الآن كما صلحت المكائن الأخرى.


وعلى كل حال فهذه مقدمة لانتشار النور الكهربائي في البلاد.

 

الخميس 13/4/1366 هـ

رصف الشارع العام منذ أكثر من 15 يوما والناس يلاحظون نشاط البلدية في أخذ مقاسات للشارع العام، وأخذ ارتفاعاته وانخفاضه بواسطة آلة قياس الارتفاعات ثبودولت وشواخص توضع على مسافات من هذه الآلة، ويقوم بهذه الأعمال مهندس سوري يعمل في البلدية.

 

السبت 15/4/1366 هـ

حفريات مواسير الماء شاهدنا في الطريق شقا طويلا محفورا في الأرض، وهو من العمليات التي قامت بها شركة جلاتي هنكي لوضع مأسورة الماء المزمع مدها من الوادي - أي وادي فاطمة - إلى جدة.
وبالقرب من بحرة وجدنا على امتداد الشق مواسير ضخمة ملقاة بجانبه لمسافة طويلة.


ويقولون إن الشركة تنتظر وصول بقية المواسير لإنهاء المشروع.
ويقول بعض الناس إن الماء يصل إلى جدة إذا استمر العمل فيه بهذا النشاط، وسيكون هذا المشروع من أهم المشاريع العمرانية الحيوية في البلاد، وسيبقى أثرا خالدا لأيادي جلالة الملك عبدالعزيز على هذه البلاد.


ويؤمل الناس أن المشروع إذا تم وازداد الماء العذب في جدة يزداد سكانها وتعمر أكثر من الآن.

 

السبت 22/4/1366هـ

ماذا أقول؟

تسألني عن الحركة الأدبية هنا في الحجاز؟ فأقول إنني أسمع بها في جريدة البلاد السعودية، وفي مجلة المنهل، وأحيانا في جريدة أم القرى، وأسمع أحيانا من بعض الذين يعدون أدباء في هذه البلاد، وأسمعهم ينظرون إليها - أي إلى الحركة الأدبية - بعين التفاؤل والارتياح ويعتقدون أن عندنا حركة لا بأس بها للأدب.


ونظري لا يكون أهم من أنظارهم، وليس لنظري أو رأيي مركز خاص في الموضوع أو مقام معروف.


ومع هذا فمن اللازم الرد على سؤالك وإبداء رأي لك، أما رأيي في الموضوع فهو أن الحركة الأدبية التي نرى بعض آثارها في البلاد ما هي إلا بوادر حركة، أو يمكن اعتبارها عنوان حركة أو مقدمة.


ونكون مبالغين إذا اعتبرناها حركة، لأن الحركة الأدبية يجب أن تكون مركزة على أدباء ذوي ثقافة عالية في إمكانهم إنتاج أدب خصب مبني على دراسات علمية أو أبحاث فنية.


أما التعليق والاكتفاء بمطالعة المجلات والصحف فهو على كل حال يفيد المتعلم، إلا أنه في الغالب يولد في المتعلم ميولا مضطربة وأفكارا مشوشة تكون قابلة لكل تأثير خارجي بسرعة زائدة بخلاف الدراسات العلمية المنظمة والأفكار التي تأتي من تلك الدراسة العلمية المنظمة فتكون راسخة في الإنسان رسوخ الطور الشامخ لا يزعزع بناءها وأساسها إلا ثقافة أعلى من ثقافته ودراسة أرقى من دراسته.
وإذا نظرنا إلى الأدباء في الوقت الحاضر الذين يعدون في الحقيقة كأساس لبناء الحركة الأدبية الموجودة أو كأساس لآثار هذه الحركة، نجدهم أفرادا بنوا ثقافتهم على ذكائهم وجدهم، وعلى تعليمهم الذي يعتبر في الوقت الحاضر وفي هذه البلاد نفسها أقل من التعليم الثانوي الموجود الآن مع أنه في وقتهم كان يعد تعليما عاليا بالنسبة إلى هذه البلاد.

المصدر : صحيفة مكة 1435/11/18هـ